تراجع النشوة الأولية لإصلاح اقتصاد السعودية..مستثمرون شعروا بخيبة أمل بسبب سياسة أرامكو، لكنْ هناك جانب مشرق
يقلُّ انجذاب الأجانب نحو أكبر أسواق الاستثمار في العالم العربي؛ السعودية، بعد شهرين فقط من إدراجها في مؤشر MSCI Inc للأسواق الناشئة.
ويرجع ذلك وفق وكالة Bloomberg الأميركية إلى أن النشوة الأولية الناتجة عن جهود وليّ العهد محمد بن سلمان لإصلاح اقتصاد البلاد قد تراجعت، مُفسِحةً المجال للشكوك بعد تأجيل المملكةِ الطرحَ الأوليَّ للاكتتاب العام لعملاقة البترول أرامكو. وكذلك زادت المخاوف من جرَّاء الخلاف الناجم عن انتقاد كندا لاعتقال الناشطين الحقوقيين السعوديين، وتتعلَّق تلك المخاوف بسياسة الأمير المتزايدة في صرامتها وتأثيرها على تدفق رؤوس الأموال.
وتحوَّل المديرون الماليون الأجانب إلى بائعين لصافي الأسهم السعودية، في ستة من الأسابيع الثمانية الماضية، بعد أن قالت مؤسسة MSCI إنها ستضمُّ السعودية إلى مؤشراتها المختصة برؤوس أموال الأسواق الناشئة، بدءاً من يونيو/حزيران 2019. وقد تأثَّر أيضاً الإقبال على الأصول الأكثر مجازفةً بسبب عوامل عالميةٍ، مثل انحسار حوافز أوقات الأزمات ومناوشات التجارة العالمية.
سحب الأموال
ازداد انتشار بيع المستثمرين الأجانب للأسهم السعودية، مما يعكس المخاوف بشأن «الإصلاحات المؤجَّلة أو حتى الباطلة»، على حد قول مارشال ستوكر، مدير الأوراق المالية بمؤسسة Eaton Vance في مدينة بوسطن الأميركية، التي لا تستثمر أموالها في المملكة. وقال: «حتى نرى التزاماً باعتماد السياسات التي تؤدِّي إلى مزيدٍ من الحرية الاقتصادية، نشكُّ في أداء سوق رؤوس الأموال السعودية أداءً إيجابياً».
ماذا تغيَّر؟
بذلت السعودية مجهوداتٍ جمَّةً في الشهور الماضية، للإيحاء بهبوب رياح التغيير، عن طريق منح النساء الحق في قيادة السيارات، وإعادة فتح دور السينما. ولكن في الشهور الأخيرة، اعتُقلت ناشطات حقوق المرأة، ويسعى المدَّعون الآن إلى إعدام إسراء الغمغام بقطع الرأس، بسبب مشاركتها في احتجاجاتٍ ضد الحكومة في الجانب الشرقيِّ من البلاد.
وهناك أيضاً الخلاف بين المملكة وكندا، فقد جمَّدت السعودية العلاقات الدبلوماسية والتعاملات التجارية مع الدولة الأميركية الشمالية هذا الشهر، أغسطس/آب، نتيجة انتقادها لمعاملة السعودية للناشطات، ولا يوجد في الأفق مبشِّرٌ على رتق الانقسام الدبلوماسي مع قطر.
الجانب المشرق
قرار تأجيل الطرح الأولي للاكتتاب العام لأرامكو -الذي أُشيع أنه الأكبر في العالم- يعكس جزئياً الموقف الماليَّ الأقوى بكثير للمملكة، بفضل إصلاحات الإنفاق الحكوميِّ وارتفاع أسعار البترول، وفقاً للشركة المساهمة التابعة لبنك الإمارات دبي الوطني.
ومن المُتوقَّع هبوط عجز الميزانية السعودية إلى 4.6% من إجماليِّ الإنتاج المحليِّ هذا العام، من 9.3% في 2017، وفقاً لصندوق النقد الدولي. وقالت مؤسسة الإقراض إنها تتوقَّعُ هبوط العجز إلى 1.7% في 2019 بفضل تحسين الإجراءات الجديدة لجمع ضرائب القيمة المضافة، والقضاء المُفترَض على المِنَح الملكية، واستمرار ارتفاع أسعار الطاقة والحدّ من الإنفاق.
عامل السوق الناشئة
قال جون ديلاني، أحد المديرين الماليين بشركة Fideuram ISP في دبلن: «على المستثمرين النظر إلى تطبيق الإصلاحات في المستقبل على المدى البعيد، 10 سنواتٍ فما فوق».
ومع أن إلغاء الطرح الأوليَّ للاكتتاب العام لأرامكو أو تأجيله سيؤدِّي إلى تراجع إقبال المستثمرين على السعودية، يقول ديلاني إن ترقيتها إلى سوقٍ ناشئةٍ في تصنيفات المؤشِّرات الأجنبية «ما زالت دافعاً إيجابياً مهماً». وتابع أن الدولة قدَّمت بياناتٍ رسميةً عن ثلث الترجيح تقريباً في صندوقٍ يركِّز على إفريقيا والشرق الأوسط، أنشأته Fideuram في يونيو/حزيران.
وقال فهد إقبال، مدير أبحاث الشرق الأوسط في مجموعة Credit Suisse AG، إن إدراج السعودية في مؤشِّري FTSE Russell وMSCI للدول النامية، من المرجَّح أن يجذب تدفُّقاتٍ لرؤوس الأموال المجتمعة بقيمة 15 مليار دولار، في الأشهر الـ12، بين إعلان المؤشِّرين لإدراج السعودية هذا العام وموعد تطبيقهما في 2019.
حدثٌ جللٌ
أوَّل ما أُعلِن عن الطرح الأوليِّ للاكتتاب العام في 2016، كان أمل المسؤولين السعوديين في أن يجمع ما يصل إلى 100 مليار دولار، بناءً على تقييمٍ يساوي تريليوني دولار، قال بعض المحللين إنه أعلى مما ينبغي.
وقد صُمِّمَت عملية البيع لتوفير التمويل الأساسيِّ لخطط الأمير الكاسحة، الهادفة إلى الحدِّ من اعتماد المملكة على البترول. وقال خالد الفالح وزير الطاقة في الأسبوع المنصرم، إن المملكة ستواصل السعي نحو إجراء طرحٍ أوليٍّ للاكتتاب العام عندما تسمح الظروف بذلك.
لكن السعودية تسعى أيضاً وراء تنفيذ معاملاتٍ بديلةٍ قد تعينها على تحقيق خطَّتها الكبرى. فتدرس أرامكو بيع السندات في الخارج لأول مرةٍ، فيما قد يكون أكبر طرحٍ مؤسَّسيٍّ على الإطلاق، وفقاً لأفرادٍ على درايةٍ بالمفاوضات الجارية. وستسهم تلك النقود في الحصول على سندٍ في الشركة المصنِّعة للبتروكيماويات Sabic، بقيمة 70 مليار دولار تقريباً.
وقال نفس الأفراد، بشرط عدم ذكر اسمهم، إن صندوق الاستثمارات العامة، الذي يملك 70% من Sabic، بدوره سيملك النقود التي كان يأمل أولاً في جمعها من الطرح الأوليِّ لأرامكو.
وقال مايكل بوليغر، رئيس قسم توزيع أصول الأسواق الناشئة في المكتب الرئيسي للاستثمار بـUBS Wealth Management في زيوريخ: «يرى الكثيرون الطرح الأوليَّ للاكتتاب العام حجر أساسٍ لتمويل الإصلاحات الطموحة بالمملكة. وسيرصد المستثمرون من الآن فصاعداً عن كثبٍ المسارَ المستقبليَّ للإصلاح، إذ إنه افتراضٌ جوهريٌّ في دراسات الاستثمار لدى الكثيرين».