الخلاف بين كندا والسعودية سيخدم ترودو من حيث لا يدري.. رغم المخاطر الاقتصادية للأزمة
التوتر الأخير بين السعودية وكندا بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة، قد يصب في النهاية في صالح رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، الذي يحاول دوماً أن يثبت أنه مدافع عن حقوق المرأة والحريات في العالم.
واصطدمت محاولات ترودو لتصدير طرقه «المُشرِقة» التقدمية بحاجز آخر، هذه المرة مع السعودية. ومع ذلك، على عكس المشاحنات الأخيرة مع الصين والهند، قد يحصل رئيس وزراء كندا على دعمٍ طفيف في الداخل لدعمه حقوق المرأة، بحسب تقرير لوكالة Bloomberg الأميركية.
وجمَّدَت السعودية العلاقات الدبلوماسية وأوقفت تعاملات تجارية جديدة في وقت متأخر من يوم الأحد 5 أغسطس/آب عقب تصريحات لوزيرة الخارجية الكندية، كريستيا فريلاند، تنتقد فيها المملكة لاعتقال نشطاء في مجال حقوق المرأة. ووضعت تلك المواجهة ترودو، البطل المفوَّه في الدفاع عن النهوض بمكانة المرأة، ضد حكومة سعودية تتخذ خطاً أكثر تشدداً في الآونة الأخيرة بعد إدخال بعض الإصلاحات لمساعدة النساء.
كندا ستظل دوماً محافظة على حقوق الإنسان
وقالت فريلاند في مدينة فانكوفر أمس الإثنين 6 أغسطس/آب: «دعوني أكون واضحة جداً للجميع هنا وبالنسبة للكنديين الذين ربما يشاهدون ويستمعون أنَّ كندا ستظل دائماً داعمة لحقوق الانسان في كندا وفي جميع أنحاء العالم»، مضيفة أنَّ «حقوق المرأة هي حقوق إنسانية».
وجدت شخصية ترودو المُشرِقة وأجندته «التقدمية»، التي دفعته نحو نجومية عالمية على غرار نجوم الروك في عصر ردود الأفعال الشعبية، القليل من المُتقبِّلين والمُتحمِّسين لها في الخارج. في رحلته إلى الهند هذا العام، كان مُلاحقاً بتساؤلات حول ما إذا كانت حكومته متعاطفة للغاية مع الانفصاليين السيخ. وأثار ترودو غضب الصين بالضغط من أجل تبني أحكام تتعلق بالتجارة مثل العمل والجنس والضمانات البيئية.
وبينما أدت هذه المواجهات العالمية في بعض الأحيان إلى تآكل شعبية ترودو في الداخل، من غير المحتمل أن تكون للمواجهة مع السعودية تأثير دائم، بل ربما تعزز الدعم لحزبه الليبرالي، الذي يتساوى في معظم استطلاعات الرأي مع حزب المحافظين المعارض قبيل انتخابات 2019. وقد انخفض دعم ترودو هذا العام إلى أدنى مستوى له منذ تولي الليبراليين السلطة عام 2015، إذ أسهمت الأخطاء والزلَّات بحق دول في الخارج في حدوث هذا الانخفاض، بحسب المجلة الأميركية.
حسابات سياسية
قال نيك نانوس، أحد مستطلعي الآراء، في مقابلة أجريت معه يوم الإثنين: «هناك قضية أكبر في المشهد، هناك الحسابات السياسية»، موضحاً أنَّ ترودو ربما كان مضطراً للتصرف لتأكيد وجهات نظره المُتعلِّقة بحقوق الإنسان وتعزيز صورة سياسية متداعية. وأضاف: «الآن لديك الليبراليون والمحافظون في منافسة محتدمة ولذا يتعين على الليبراليين البحث عن طرق لبدء تعزيز دعمهم».
استدعت المملكة السعودية يوم الأحد سفيرها في العاصمة الكندية، أوتاوا، وأمرت المبعوث الكندي إلى الرياض بالمغادرة خلال 24 ساعة، وذلك وفقاً لبيانٍ صادر عن وزارة الخارجية السعودية. وأعلنت الخطوط الجوية السعودية وقف الرحلات إلى كندا ابتداءً من 13 أغسطس/آب، وفقاً لبيانٍ حكومي. تنظِّم الخطوط الجوية السعودية أربع رحلاتٍ في الأسبوع إلى تورونتو.
يتناسب انتقاد السعودية بشأن حقوق المرأة مع دفع ترودو من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين، إذ عيَّن مجلس وزراء متوازن في العدد بين الجنسين، وخلال زيارة إلى البيت الأبيض العام الماضي أنشأ مجلساً استشارياً مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب لتعزيز إمكانية الوصول إلى رأس المال لتمويل أصحاب الشركات السيدات.
وقالت بسمة المومني، الأستاذة في قسم العلوم السياسية بجامعة واترلو الكندية: «يُمكن النظر إلى ذلك باعتباره فوزاً محلياً». وأضافت: «هل سيريد حزب المحافظين الموت على سيف الدفاع عن السعودية؟ غالباً لا».
مخاطر اقتصادية
ويأتي هذا الموقف مع مخاطر اقتصادية محدودة بالنسبة لترودو، بالنظر إلى أنَّ السعودية هي شريك تجاري صغير. حتى هذا الوقت من هذا العام، صدَّرت كندا بضائع إلى السعودية بقيمة 1.4 مليار دولار كندي (1.08 مليار دولار أميركي) واستوردت بقيمة 2 مليار دولار كندي (1.54 مليار دولار أميركي)، وفقاً لبيانات وكالة الإحصاءات الكندية.
وقال رولاند باريس، الأستاذ بجامعة أوتاوا والمستشار السابق لترودو في السياسة الخارجية: «أتوقع أن يدعم الجمهور الكندي الموقف الذي اتخذته كندا بأن دعت إلى مزيدٍ من احترام حقوق الإنسان في السعودية». وأضاف: «لا أعتقد أن هذا يشكِّل أي تحدٍ سياسي داخلي خطير بالنسبة لحكومة ترودو، لكنَّه قد يُشكِّل تحدياً لعددٍ محدَّد من المُصَدِّرين الكنديين»، بحسب المجلة الأميركية.
وتشمل الاستثمارات السعودية في كندا شركة G3 Global Holdings، وهي مشروع مشترك بين شركة Bunge Canada Ltd والشركة السعودية للاستثمار الزراعي والإنتاج الحيواني، التي اشترت حصة أغلبية في مجلس القمح الكندي السابق عام 2015. وأظهرت بيانات جمعتها وكالة Bloomberg الأميركية أنَّ السعودية استثمرت نحو 6 مليارات دولار في شركات كندية منذ عام 2006.
وشكَّلت الدبابات والمركبات المُدرَّعة وقطع الغيار والمركبات الآلية نحو 45% من صادرات كندا لعام 2016 إلى السعودية، في حين شكَّل النفط الخام ومعدن النحاس الخام حوالي 98% من الواردات، وفقاً لتقرير للحكومة الكندية. وتوفِّر السعودية النفط لمصفاة النفط التابعة لشركة Irving Oil في مدينة سانت جون، مقاطعة نيو برونزويك الكندية. لم نتلق رداً فورياً على الرسائل المرسلة إلى شركات Irving وBunge وG3 من أجل الحصول على تعليق. وتُغلَق الأسواق يوم الإثنين في معظم أنحاء كندا بسبب العطلة.
شهد الدولار الكندي تغيراً طفيفاً مقابل الدولار الأميركي، مسجلاً 76.90 سنت.
تأثير شركة SNC
ولا ترى شركة SNC-Lavalin Group، وهي أكبر شركة للهندسة والإنشاءات في كندا، «أي تأثير فوري» على عملياتها في المملكة السعودية، وفقاً لدانييلا بيتستو، المتحدثة باسم الشركة. تعمل الشركة التي تتخذ من مونتريال مقراً لها في السعودية منذ خمسة عقود، ووقَّعت الشهر الماضي يوليو/تموز اتفاقية مدتها خمس سنوات لتوفير الخدمات الهندسية لمشروع مشترك بين شركة أرامكو النفطية السعودية والشركة الكويتية لنفط الخليج. وتبني شركة SNC بالفعل منشآت مختلفة في مصنع معالجة الغاز الذي تديره أرامكو السعودية، أكبر مصدر للنفط الخام في العالم.
وقالت بيتستو في رسالة بالبريد الإلكتروني يوم الإثنين: «نحن على ثقة بأن هذا الموقف سيُحل في أقرب فرصة». وأضافت: «نحن نُقدِّر بشكلٍ كبير العلاقات المشتركة ومساهماتنا في المملكة السعودية».
ومن جانبه، قال ريكس برينن، أستاذ العلوم السياسية بجامعة مكغيل في مونتريال، إنَّ هذا الخلاف قد يؤذي ترودو «بشكل طفيف»، لكنَّه لن يصبح قضية داخلية رئيسية أكثر من أنه يمنح حزب المحافظين المعارض بعض الذخيرة السياسية.
وأضاف برينن في مقابلةٍ يوم الإثنين: «سيقول المحافظون إنَّ ترودو يتحدث بحماقة لكن هذا الموقف سيكون غيضاً من فيض». وتابع: «يتمثل جزء من استراتيجية المحافظين في تصوير ترودو كشخص ضعيف قليل الخبرة لا يفكر في عواقب أفعاله».
تعبير عن الإحباط
أشارت وزارة الخارجية السعودية إلى ملاحظات أدلى بها الأسبوع الماضي كلٌّ من فريلاند والسفارة الكندية في الرياض تنتقد اعتقال بعض النشطاء في مجال حقوق المرأة، بمن في ذلك سمر بدوي، التي يقبع شقيقها رائف بدوي، المُدوِّن المُنتقِد للحكومة، بالفعل في سجن سعودي. زوجة رائف بدوي هي مواطنة كندية.
وقال نيل بارتيك، خبير سعودي ومُحرِّر كتاب «السياسة الخارجية السعودية: الصراع والتعاون»: إنَّ «الحكومة الكندية كانت تعبر فقط عن إحباط يشعر به حلفاءٌ سعوديون آخرون سراً بشأن عملية الإصلاح في المملكة، لكن لم يكن من الحكمة القيام بذلك بلغةٍ حادة نسبياً». وأضاف: «لأن حكومة ترودو ليست حليفاً هاماً، قرَّرَ السعوديون على الأرجح أنَّ الاحتفاظ بعلاقات مع كندا هو أمر غير ضروري، على الأقل في الوقت الحالي».
فرضت الضرائب واعتقلت أمراء ورد فعلها «أرعن ومتسرع».. The Wall Street Journal: خلاف السعودية مع كندا يهدد برد فعلٍ عكسي من المستثمرين
يهدد الخلاف الدبلوماسي السعودي الكندي بتعقيد جهود المملكة لجذب المستثمرين الأجانب، في إطار سعيها لإصلاح اقتصادها، خصوصاً أن رياح عاصفة التغيير التي بدأها ولي العهد محمد بن سلمان لم تهدأ بعد تحت عنوان رؤية 2030.
الأستاذ المساعد والخبير بشؤون الشرق الأوسط في جامعة أوتاوا الكندية توماس جينو قال لصحيفة The Wall Street Journal: «يُعَد تصوير السعودية كوجهة جاذبة للاستثمار والتجارة أحد الافتراضات الأساسية في رؤية السعودية 2030، لكنَّ قرارات السياسة الخارجية الاندفاعية مثل هذه لها تأثيرٌ معاكس تماماً».
الاستثمار الأجنبي تراجع إلى أدنى مستوياته
وعلى الرغم من الانتعاش الأخير في أسعار النفط، عانى قادة السعودية لإقناع الشركات بالمجيء إلى المملكة والاستثمار فيها. وبحسب أرقامٍ تجارية نشرتها الأمم المتحدة، تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية إلى 1.4 مليار دولار عام 2017، بعدما كان 7.4 مليار دولار في العام السابق له. ومثَّل هذا التراجع أدنى مستوى منذ 14 عاماً.
وكانت هناك استثناءات جديرة بالملاحظة، تمثلت في اهتماماتٍ متواضعة من جانب المستثمرين، إذ يقيم صندوق التكنولوجيا التابع لمجموعة SoftBank Group Corp والبالغة قيمته 100 مليار دولار مكتباً له في الرياض، واستثمرت شركاتٌ أجنبية، منها الشركات المُشغِّلة لدور السينما، في قطاع الترفيه.
والمملكة فرضت الضرائب والقيود على العمالة الأجنبية
لكنَّ المملكة بدأت في اتخاذ إجراءاتٍ داخلية أخرى، مثل فرض ضريبة قيمة مضافة جديدة، وتقليص دعم الطاقة، وفرض قيود على توظيف العمالة الأجنبية، جعلت المملكة أقل جاذبية لرؤوس الأموال الأجنبية. وأثار اعتقال رجال أعمال بارزين العام الماضي 2017 ضمن حملةٍ شاملة على الفساد أيضاً قلق المستثمرين.
وقال محللون إنَّ الموقف العدواني للمملكة في السياسة الخارجية بات الآن مبعث قلقٍ كبير، لأنَّه يعكس حساسيةً بين كبار قادة المملكة على الأرجح، ستُعمِّق حالة عدم اليقين لدى المستثمرين.
محللون يرون في مواقفها «رعونة تعكس ردود فعلٍ متسرعة»
وقالت كارين يونغ، خبيرة الاقتصاد السياسي بمعهد دول الخليج العربي في واشنطن: «هناك رعونة تعكس ردود فعلٍ متسرعة، لا مشاورات مُمعِنة في التفكير. وبالنسبة للشركات، تؤكد هذه الأفعال خطورة إغضاب الأسرة الحاكمة والدولة في عددٍ من القضايا، التي لا توجد بها خطوط حمراء وقواعد واضحة».
كندا ليست الوحيدة في هذا الموقف، إذ توترت العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وألمانيا، منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حين انتقد وزير الخارجية الألماني آنذاك المملكة بسبب ضغطها على رئيس الوزراء اللبناني للاستقالة. بعد ذلك، أمرت الحكومة السعودية سراً بعدم منح عقود جديدة للشركات الألمانية، وفقاً لأشخاصٍ مطلعين على المسألة.
وقال دبلوماسي مقيم في الخليج: «طرد سفير بسبب انتقادات لقضايا مُتعلِّقة بحقوق الإنسان هو أسوأ ما يمكن أن يحدث. هذا يؤكد الأحكام المسبقة الموجودة بين رجال الأعمال في أوروبا على سبيل المثال، في حين يساعد المستثمرين القادمين من البلدان التي تُمنَح فيها الأولوية لممارسة الأعمال التجارية، ولا تكترث كثيراً لقضايا حقوق الإنسان».
وحجم التجارة مع كندا ضئيل نسبياً
ومن غير المتوقع أن يؤثر تجميد السعودية التعاملات التجارية مع كندا على الاقتصاد الكندي. فالتجارة الثنائية بين البلدين كانت صغيرة نسبياً، يبلغ إجماليها بحسب بيانات الحكومة الكندية 4 مليارات دولار كندي تقريباً (3.08 مليار دولار أميركي). ووفقاً لآخر بيانات البنك الدولي، استأثرت السعودية بما نسبته 0.24% فقط من الصادرات الكندية عام 2016.
وليس واضحاً ما إن كان الخلاف الدبلوماسي قد يؤثر على صفقاتٍ بعينها، مثل صفقة أسلحة بقيمة 15 مليار دولار كندي (11.57 مليار دولار أميركي) اتُّفِق عليها في 2014 لبيع مركبات مدرعة خفيفة للسعودية من الوحدة الكندية لشركة General Dynamics Land Systems للصناعات العسكرية.
أميركا والأمم المتحدة وأوروبا طالبت بالإفراج عن المعتقلين.. فماذا ستفعل السعودية
وكندا أيضاً ليست الدولة الوحيدة التي دعت لإطلاق سراح المدافعين عن حقوق الإنسان، الذين اعتقلتهم السلطات السعودية في الأشهر الأخيرة؛ إذ عبَّرت الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي علناً أيضاً عن قلقها بشأن الاعتقالات.
ومنذ مايو/أيار الماضي، اعتُقِل 18 ناشطاً، أُطلِق سراح 4 منهم مؤقتاً. وكان الكثير من هؤلاء قد دافعوا عن حقوق المرأة، بما في ذلك السماح للنساء بقيادة السيارات، وهو الحق الذي مُنِح لهن في يونيو/حزيران الماضي. وكان من بين النشطاء المعتقلين مؤخراً سمر بدوي، الناشطة البارزة وشقيقة المُدوِّن المسجون رائف بدوي.
الأمر الذي دفع وزيرة الخارجية الكندية إلى الإدلاء بتعليق يطالب بإطلاق سراحهم. السعودية اعتبرت الموقف الكندي تدخلاً في شؤونها الداخلية، فقررت سحب السفراء وتعليق العلاقات التجارية، وسحب الطلاب المبتعثين.
وسيؤثر الخلاف الدبلوماسي مع كندا كذلك على 7 آلاف طالبٍ سعودي يدرسون حالياً ضمن منحٍ مدعومة من الحكومة السعودية. وقال المتحدث باسم وزارة التعليم السعودية مبارك العصيمي، أمس الإثنين 6 أغسطس/آب، إنَّ المملكة ستوقف تمويل المنح وبرامج التدريب في كندا، وستساعد على نقل الطلاب المتأثرين بالقرار إلى دول أخرى.
كما أعلنت شركة الخطوط الجوية السعودية وقف الرحلات إلى كندا، بدءاً من 13 أغسطس/آب.
وقالت وزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند، الإثنين، في مؤتمرٍ صحافي في مدينة فانكوفر، إنَّ المسؤولين في انتظار الاطلاع من الجانب السعودي على الصورة التي ستكون عليها العلاقات بين كندا والسعودية، بالنظر إلى هذا الخلاف الدبلوماسي.